#1
|
|||
|
|||
![]() الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ جَانِبًا مِنْ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمَّا نَجَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَيْدِ قَوْمِهِ: ﴿ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 99-111]. وَالْمَعْنَى: إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي، وَهُوَ سَيَهْدِينِي إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ، ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: رَبِّ ارْزُقْنِي صَالِحِينَ مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ بِطَاعَتِكَ وَلَا يَعْصُونَكَ؛ عِوَضًا عَنْ قَوْمِي الْكَافِرِينَ الَّذِينَ فَارَقْتُهُمْ[1]. فَبَشَّرْنَاهُ بِأَنَّهُ سَيُولَدُ لَهُ غُلَامٌ حَلِيمٌ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَأَدْرَكَ أَنَّهُ يَسْعَى مَعَهُ، وَبَلَغَ سِنًّا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَحَبَّ مَا يَكُونُ لِوَالِدَيْهِ، قَدْ ذَهَبَتْ مَشَقَّتُهُ، وَأَقْبَلَتْ مَنْفَعَتُهُ؛ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ؛ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا؛ وَأَسْلَمَا أَمْرَهُمَا لِلَّهِ، وَأَضْجَعَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ عَلَى جَانِبِ جَبْهَتِهِ لِيَذْبَحَهُ، وَنَادَيْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ حَقَّقْتَ الرُّؤْيَا وَعَمِلْتَ بِهَا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا، فَنُنْجِيهِ مِنَ الْكَرْبِ وَالشَّدَائِدِ[2]. إِنَّ هَذَا الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ لَهُوَ الِاخْتِبَارُ الشَّدِيدُ، وَفَدَيْنَا ابْنَهُ بِكَبْشٍ عَظِيمِ الْحَجْمِ وَالْقَدْرِ، وَأَنْعَمْنَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِالثَّنَاءِ الْبَاقِي فِيمَنْ بَعْدَهُ، سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ. مِثْلُ هَذَا الْجَزَاءِ نَجْزِي كُلَّ مَنْ كَانَ مُحْسِنًا؛ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[3]. وَمِنْ أَهَمِّ الدُّرُوسِ وَالْعِبَرِ، وَالْأَحْكَامِ وَالْفَوَائِدِ فِي هَذَا الِابْتِلَاءِ الْعَظِيمِ: 1- مِنْ أَعْظَمِ الِابْتِلَاءَاتِ الَّتِي ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا إِبْرَاهِيمَ ذَبْحُ وَلَدِهِ: بَعْدَمَا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ فِي أُمُورِ الْحَيَاةِ، وَالنَّفْعِ، وَالْخِدْمَةِ. 2- الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُ الِاعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ: لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، فَاعْتَمَدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْهِدَايَةِ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ. 3- إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ: ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾، فَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ وَالْعُزْلَةِ[4]. 4- التَّحَنُّنُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ: بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّحَنُّنِ وَالتَّعَطُّفِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ﴾، فَأَضَافَ الرُّبُوبِيَّةَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ بَابِ التَّلَطُّفِ وَالتَّحَنُّنِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى[5]. 5- وُجُوبُ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَكْثُرُ فِيهِ الْأَعْدَاءُ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَحَسَّ مِنْهُمْ بِالْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ هَاجَرَ مِنْ تِلْكَ الدِّيَارِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَصَّهُ بِأَعْظَمِ أَنْوَاعِ النُّصْرَةِ، وَغَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى[6]. 6- الصَّلَاحُ هُوَ أَفْضَلُ الصِّفَاتِ: بَدَلِيلِ أَنَّ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ طَلَبَ الصَّلَاحَ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 83]؛ وَطَلَبِهِ لِلْوَلَدِ، فَقَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾، وَطَلَبَهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ – بَعْدَ كَمَالِ دَرَجَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَقَالَ: ﴿ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النَّمْلِ:19]، وَكَذَا طَلَبَهُ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ – بَعْدَ كَمَالِ دَرَجَتِهِ أَيْضًا، فَقَالَ: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 101]. 7- اسْتِحْبَابُ بِشَارَةِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ، وَتَهْنِئَتُهُ: لِقَوْلِهِ: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾، فَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى بِشَارَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِمَا يُفْرِحُهُ وَيَسُرُّهُ[7]. 8- رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَهِيَ مَعْصُومَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ: وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ﴾، وَلِهَذَا أَقْدَمَ الْخَلِيلُ عَلَى ذَبْحِ ابْنِهِ بِالرُّؤْيَا، وَأَمَّا رُؤْيَا غَيْرِهِمْ فَتُعْرَضُ عَلَى الْوَحْيِ الصَّرِيحِ؛ فَإِنْ وَافَقَتْهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْمَلْ بِهَا[8]. 9- أَهَمِّيَّةُ التَّلَطُّفِ فِي الْأُسْلُوبِ فِي الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ لِلْأَنْفُسِ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُبْعِدَ عَنْهُ تُهْمَةَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّهُ، فَلَاطَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾؛ وَقَوْلِهِ: ﴿ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾[9]. 10- وُجُوبُ الصَّبْرِ عَلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَعَلَى الْمَصَائِبِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ عَلَى تَنْفِيذِ هَذَا الْأَمْرِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ آلَامِ الذَّبْحِ[10]. 11- وُجُوبُ تَعْلِيقِ الْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾، وَيُؤَيِّدُهُ – فِي شَرْعِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى – لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الْكَهْفِ: 23-24]. فَهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْكُمَّلِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ؛ لِتَعَلُّقِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ[11]. 12- الْعَمَلُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ تَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ: لِقَوْلِهِ: ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾؛ حَتَّى لَا يَرَى وَجْهَهُ حِينَ يَذْبَحُهُ؛ فَإِنَّ هَذَا يُهَوِّنُ عَلَيْهِمَا الْأَمْرَ، فَيَهُونُ عَلَيْهِمَا التَّنْفِيذُ[12]. 13- حِكْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُقَدِّرُهُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ مَكْرُوهٍ: فَلَا يَقُولُ الْإِنْسَانُ: لِمَاذَا ابْتَلَانِي اللَّهُ بِهَذَا دُونَ غَيْرِي؟! فَلَا يُمْكِنُ صَبْرٌ بِلَا مَصْبُورٍ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ ابْتِلَاءٍ وَامْتِحَانٍ يُعْلَمُ بِهِ قَدْرُ صَبْرِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُثَابَ عَلَى قَدْرِ صَبْرِهِ[13]. الخطبة الثانية الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. وَمِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ: 14- نِعْمَةُ الْوَلَدِ تَكُونُ أَكْمَلَ؛ إِذَا كَانَ صَالِحًا: وَلِذَا قَالَ: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فَإِنَّ صَلَاحَ الْأَوْلَادِ قُرَّةُ عَيْنٍ لِلْآبَاءِ، وَمِنْ صَلَاحِهِمْ بِرُّهُمْ بِوَالِدِيهِمْ[14]. 15- أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ فَهَذَا ابْتِلَاءٌ عَظِيمٌ لِنَبِيَّيْنِ كَرِيمَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِيَدِهِ، وَرَضِيَ إِسْمَاعِيلُ بِهَذَا الْقَرَارِ الصَّعْبِ مِنْ وَالِدِهِ، فَاسْتَسْلَمَا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى جَمِيعًا، وَشَرَعَا فِي تَنْفِيذِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَمْثَالُهُمَا، فَهَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِمَا[15]. 16- أَرَادَ اللَّهُ تَكْمِيلَ خُلَّةِ إِبْرَاهِيمَ؛ بِأَلَّا يَبْقَى فِي قَلْبِهِ مَا يُزَاحِمُ بِهِ مَحَبَّةَ رَبِّهِ: فَقَدَّمَ طَاعَةَ رَبِّهِ وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْوَلَدِ، وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ الْتِفَاتٌ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ؛ فَظَهَرَ عَزْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعُلُوُّ مَرْتَبَتِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ[16]. 17- الْأَدَبُ فِي خِطَابِ الْأَبِ، وَخِطَابِ الِابْنِ: فَلَمَّا كَانَ خِطَابُ الْأَبِ ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾ عَلَى سَبِيلِ التَّرَحُّمِ؛ جَاءَ خِطَابُ الِابْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ وَالتَّوْقِيرِ[17]. 18- قَدْ يَأْمُرُ اللَّهُ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ؛ لِيَمْتَحِنَهُ هَلْ يُطِيعُهُ أَمْ يَعْصِيهِ: كَمَا أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ ابْنِهِ، ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَفَدَاهُ بِالذَّبْحِ، فَلَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ، بَلِ امْتِحَانُ الْعَبْدِ بِطَاعَةِ رَبِّهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ: الْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ وَالْأَعْمَى؛ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ مَنْ سَأَلَهُمُ الصَّدَقَةَ، فَلَمَّا أَجَابَ الْأَعْمَى قَالَ الْمَلَكُ: «أَمْسِكْ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ[18]. 19- إِذَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ، وَسَعَى إِلَيْهِ؛ كُتِبَ لَهُ أَجْرُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ﴾، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ، لَكِنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُنَفِّذَهُ[19]. 20- الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ: قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾، فَكَمَا أَحْسَنَ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِمَا؛ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 60]؛ أَيْ: مَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنَ إِلَيْنَا أَوَّلًا بِتَوْفِيقِنَا لِلطَّاعَاتِ وَالْإِحْسَانِ، ثُمَّ أَحْسَنَ إِلَيْنَا ثَانِيًا بِالْجَزَاءِ عَلَى ذَلِكَ[20]. 21- مَنْصِبُ الْخُلَّةِ مَنْصِبٌ لَا يَقْبَلُ الْمُزَاحَمَةَ بِغَيْرِ الْمَحْبُوبِ: فَلَمَّا أَخَذَ الْوَلَدُ شُعْبَةً مِنْ شِعَابِ الْقَلْبِ؛ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَبْحِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ لِلِامْتِثَالِ خَرَجَتْ تِلْكَ الْمُزَاحَمَةُ، وَخَلَصَتِ الْمَحَبَّةُ لِأَهْلِهَا، فَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُعَذَّبَ، وَلَكِنْ يُبْتَلَى لِيُهَذَّبَ[21]. 22- فَضِيلَةُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْإِيمَانِ بِهِ: فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِوَصْفَيِ: الْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾، فَمَنِ اتَّصَفَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْإِيمَانِ نَالَهُ مِنَ الثَّنَاءِ بِقَدْرِ مَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْهُمَا؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْإِنْسَانُ لِلَّهِ أَعْبَدَ، وَبِهِ آمَنَ؛ كَانَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَأَعْظَمَ المصدر: منتدى تراتيل شاعر - من قسم: نفحات إيمانية عامة hfjghx lfdk ,`fp u/dl (o'fm) |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
جميع الحقوق محفوظة : تراتيل شاعر