هل ممكن أن نتوارث الذكريات

هل ممكن أن نتوارث الذكريات

ما هي الذاكرة الوراثية

فكرة انتقال الذكريات عبر الأجيال، أو ما يعرف بــ”الذاكرة الوراثية”، هي مفهوم مثير للاهتمام يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت التجارب والمعلومات المكتسبة في حياة فرد ما يمكن أن تنتقل إلى أجيال لاحقة عبر الحمض النووي.

الذاكرة الوراثية تشير إلى احتمال أن تكون بعض التجارب، مثل الصدمات أو الخوف، قد تؤثر على التعبير الجيني وتنتقل إلى الأجيال اللاحقة. على سبيل المثال، قد يؤثر حدث كبير أو صادم في حياة أحد الأفراد على جيناته، ومن ثم يُحتمل أن ينتقل هذا التأثير إلى نسله.
هل توارث الذكريات امر ممكن

توارث الذكريات هو موضوع مثير للجدل ويُناقش في عدة مجالات، بما في ذلك العلوم العصبية وعلم الوراثة وعلم النفس. الفكرة الأساسية وراء توريث الذكريات تتعلق بإمكانية انتقال الخبرات أو المعلومات المكتسبة من جيل إلى جيل عبر الآليات الوراثية، ولكن الأدلة على هذا الموضوع لا تزال غير حاسمة.

1. العلم العصبي والوراثة:

الوراثة التقليدية: الذكريات في العادة تتشكل في الدماغ نتيجة لتجارب شخصية وتخزن في الشبكات العصبية. في العادة، هذه الذكريات ليست موروثة بيولوجياً بنفس الطريقة التي يتم بها توريث الصفات الجينية مثل لون الشعر أو العينين.
الوراثة اللاجينية (Epigenetics): هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن بعض التجارب، خاصة تلك المرتبطة بالتوتر أو الصدمات، قد تؤدي إلى تغييرات لاجينية في الحمض النووي يمكن أن تؤثر على الأجيال التالية. لكن هذه التغييرات لا تعتبر ذكريات حرفية، بل هي تأثيرات قد تغير الطريقة التي يعبر بها الجين عن نفسه.

2. الدراسات والأبحاث:

بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات، مثل الفئران، أظهرت أن صدمات معينة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في الأجيال التالية في كيفية استجابتها لبعض المؤثرات. لكن هذه النتائج لا تعني انتقال الذكريات بشكل مباشر، بل قد تكون تغييرات فيزيولوجية أو سلوكية استجابة للتغيرات البيئية.

3. علم النفس والفلسفة:

العقل الجماعي (Collective Unconscious): الفيلسوف كارل يونغ تحدث عن مفهوم العقل الجمعي أو اللاواعي الجماعي، حيث اعتقد أن هناك طبقة من الذاكرة يمكن أن تكون مشتركة بين الأجيال، لكن هذه الفكرة لا تعتمد على نقل مباشر للذكريات.

حتى الآن، لا يوجد دليل علمي قوي يدعم إمكانية توريث الذكريات الحرفية عبر الأجيال بشكل مباشر. قد يكون هناك توريث لبعض التأثيرات السلوكية أو الاستجابات الناتجة عن تجارب سابقة للأجيال، ولكن لا يمكن القول بأن الذكريات نفسها تنتقل بشكل وراثي.
نتائج الدراسات حول توارث الذكريات

الدراسات حول وراثة الذكريات لا تزال في مراحلها المبكرة، ومعظم الأبحاث التي أُجريت كانت على الحيوانات:

دراسات على الحيوانات: واحدة من أكثر الدراسات شهرة تمت على الفئران، حيث تم تعريض الفئران لرائحة معينة مترافقة مع صدمة كهربائية. الجيل التالي من الفئران، حتى دون التعرض للصدمة نفسها، أظهر استجابة خوف للرائحة ذاتها. هذا يشير إلى أن الخوف قد انتقل بشكل ما عبر الأجيال.
التعبير الجيني: تظهر بعض الدراسات أن التجارب الصادمة قد تؤدي إلى تغييرات في التعبير الجيني، والتي يمكن أن تنتقل عبر الأجيال. هذه التغييرات لا تحدث في تسلسل الحمض النووي نفسه، بل في الطريقة التي تُعبر بها الجينات عن نفسها (مثلاً من خلال تغييرات في عملية المثيلة).
النقد والشكوك: بعض العلماء ينتقدون هذه الفكرة ويشيرون إلى أن الأدلة لا تزال غير كافية لاستنتاج أن الذكريات يمكن أن تنتقل عبر الأجيال بشكل مباشر. قد تكون هناك عوامل بيئية أخرى تلعب دورًا في تفسير هذه النتائج.

الذاكرة الوراثية هي مجال بحثي ناشئ ومثير للجدل. بينما توجد بعض الدراسات التي تدعم الفكرة بأن بعض التأثيرات الناتجة عن التجارب يمكن أن تنتقل إلى الأجيال القادمة، إلا أن الأدلة الحالية لا تزال غير حاسمة. هذا الموضوع يتطلب المزيد من الأبحاث لفهم مدى إمكانية وانتقال الذكريات عبر الأجيال البشرية بشكل دقيق.
الذاكرة الوراثية متنقلة بين الأجيال السابقة والحالية

بالفعل أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث التي أُجريت على الحيوانات في الوقت الحالي، أن هناك توارث للذاكرة بين الأجيال السابقة والحالية، فالسلوك قد يتأثر بأحداث وقعت في الماضي في الجيل السابق، ثم انتقلت إلى الأجيال الحالية في صورة الذاكرة الجينية أو الوراثية، حيث أظهرت التجارب أن الأحداث التي شكلت صدمة في الماضي أو في الأجيال الماضية، تظل موجودة في عينة الحمض النووري DNA الحيوانات المنوية والبويضات الخاصة بهذا الجيل، ثم تنتقل كما هي للأجيال القادمة في هيئة توارث جيني وهذا يظهر جلياً في طريقة تصرفاتهم وتفكيرهم.

حرى بالذكر أن الأبحاث أيضاً أثبتت بالأدلة انتفال مرض القلق المستمر واضطرابات ما بعد الصدمة من خلال الذاكرة بشكل من الأشكال إلى الأجيال الحالية، كما أكد العلماء أنهم بحاجة لتعقب جيل كامل من أجل إثبات انتقال أمراض أخرى مثل السكري، السمنة، الأمراض النفسية والعصبية إليه، من خلال الأجيال السابقة عبر توارث الذاكرة.[1]
دور الذاكرة في حياة البشر

الذاكرة ليست مستودعاً للذكريات والأحداث الماضية، لكنها تشكل الحاضر والمستقبل وليس الماضي فقط، من أهم أدوار الذاكرة في حياة الإنسان:

وظيفة الذاكرة: تعتبر الذاكرة أداة معرفية التي تسمح للأشخاص بالاحتفاظ بالمعلومات، ثم استرجاعها بعد ذلك وأيضاً استخدامها في التفاعلات الاجتماعية وممارسة الحياة بشكل طبيعي، والذاكرة هنا تكون طويلة وقصيرة الأمد.

النمو الذاتي والتعلم: الذاكرة هي الأساس المبني عليه عملية التعلم والنمو الذاتي، حيث تخزن الذاكرة المعلومات وتعمل على تكويدها، ثم تعزز من معارفنا وقدراتنا الإدراكية الحالية، مما يطور من النمو الذاتي وعملية التعلم.

الاتصال العاطفي: الذاكرة هي الآداة التي تشكل مشاعرنا، طريقة استقبالنا للأمور، معتقداتنا وهي التي تتحكم في علاقتنا الاجتماعية والعاطفية، الذاكرة هي التي تجعلك تشعر ببهجة الفرح وألم الفقد والحنين إلى الماضي وغيرها من المشاعر، الذاكرة هي الأداة التحفيزية للمشاعر، وبالتالي هي التي تخلق الاتصال العاطفي مع المحيطين بمختلف المشاعر.

الذاكرة تحدد ذاتنا وهويتنا: الذاكرة هي أداة النسج لهوياتنا، ذكرياتنا هي التي تحدد من نحن وتُعرف عن شخصياتنا، بجانب أنها تشكل كل ما لدينا من قيم، معتقدات وعادات، هي التي تجعلنا نشعر بماضينا ونفهم حاضرنا وأيضاً تصور مستقبلنا فيما بعد.

المصدر: منتدى تراتيل شاعر - من قسم: الـتراث والحنين الى الماضي

---

ig ll;k Hk kj,hve hg`;vdhj